أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم

أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم

هذا حديث عن رسول الله  وإن كان فيه ضعف إلا أنه جاء من طرق كثيرة زادت عن اثني عشر طريقاً ، مما يشعر أن للحديث أصلاً ، وزاد بعضهم فيها " ما لم يكن حداً " . إنه خلق نبوي كريم ، أن يحفظ لذوي الهيئات مقامهم ، وأن تقال عثراتهم ما لم تكن اعتداءات على حقوق الآخرين ، أو أن تبلغ حداً . ولقد ثبت أن حبيبنا المصطفى  أقال عثرة حاطب بن أبي بلتعة  عندما أرسل رسالة إلى مشركي قريش تخبرهم أن النبي  قد خرج للغزو ، ولا أظن إلا أنه يريدكم ، مع أن النبي  لم يخبر إلا أبا بكر الصديق  عن مسيره هذا ، حتى لا يعلم المشركون عنه ، ولا يستعدون للقائه ، لأنهم غدروا بحلفائه بني خزاعة ، وتمالئوا مع بني بكر ضد بني خزاعة حتى بيتوهم وقتلوهم في الحرم . روى البخاري بسنده عن علي بن أبي طالب قال: بعثني رسول الله أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها", فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة, فقلنا: أخرجي الكتاب, فقالت: ما معي من كتاب, فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب, فأخرجته من عقاصها, فأتينا به رسول الله فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله فقال رسول الله : "يا حاطب ما هذا", قال: يا رسول الله لا تعجل علي, إني كنت امرأ ملصقًا في قريش ولم أكن من أنفسها, وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم, فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي, وما فعلت كفرًا ولا ارتدادًا ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام, فقال رسول الله : "لقد صدقكم", قال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق, قال: "إنه قد شهد بدرًا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". وروى مسلم بسنده عن جابر أن عبدًا لحاطب جاء رسول الله يشكو حاطبًا فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار, فقال رسول الله : "كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدرًا والحديبية". إلا أن النبي  قد حفظ لحاطب جهاده وحضوره الغزوات كلها معه  ، وانظر إلى حاطب  وهو يأخذ بثأر رسول الله  ويقتل عتبة بن أبي وقاص بعد أن آذى رسول الله  ودق رباعيته . عن أنس بن مالك أنه سمع حاطب بن أبي بلتعة يقول: إنه طلع على النبي في أحد وهو يشتد وفي يد علي بن أبي طالب الترس فيه ماء ورسول الله يغسل وجهه من ذلك الماء فقال له حاطب: من فعل بك هذا؟ قال: "عتبة بن أبي وقاص هشم وجهي ودق رباعيتي بحجر رماني", قلت: إني سمعت صائحًا يصيح على الجبل: قتل محمد فأتيت وكان قد ذهب روحي, قلت: أين توجه عتبة؟ فأشار إلى حيث توجه فمضيت حتى ظفرت به, فضربته بالسيف فطرحت رأسه فهبطت فأخذت رأسه وسلبه وفرسه وجئت بها إلى النبي فسلم ذلك إلي ودعا لي فقال: "رضي الله عنك رضي الله عنك". هؤلاء الذين قدموا أرواحهم ، وأموالهم في سبيل الدعوة يجب أن يحفظ لهم كيانهم ، وأن تقال عثراتهم ما لم تصل إلى الإيذاء ، وهنا لم تصل رسالة حاطب  إلى المشركين . وبما أن الله سبحانه وتعالى قد اطلع على أهل بدر فقال : افعلوا ما شئتم قد غفرت لكم . كما أقال خليفة رسول الله  أبو بكر الصديق  عثرة خالد بن الوليد  عندما قتل مالك بن نويرة في حروب الردة ، ونكح زوجه ، ظاناً أنها أصبحت سبية تطهر بحيضة واحدة ، وليست حرة تلزمها ثلاث حيضات حتى تظهر براءة الرحم من أي حمل . ولم ينس لخالد بن الوليد جهاده وقيادته للجيش وتخليصه إياه من إبادة محتمة في معركة مؤتة وذلك بما أتاه الله من حنكة . أما إذا تعلق الأمر بالحدود أو الحقوق ، فإنه لا حصانة لأحد مهما كان منصبه . ولما أهمت المرأة المخزومية التي سرقت بني مخزوم ، وأرادوا أن يوسطوا أسامة بن زيد رضي الله عنهما كي يعفو عنها رسول الله من أن يقام عليها حد السرقة وهو قطع اليد اليمنى . عن عائشةَ رضي اللّه عنها أنّ قُرَيْشاً أَهَمِّهم شأنُ المرأةِ المَخْزُوميّةِ التي سَرَقَتْ، فقالوا: "مَن يُكَلِّم فيها رسولَ اللّه  ؟". فقالوا: "مَن يَجْتَرِئُ عليه إلا أُسامةُ ابْنُ زَيْدٍ حِبُّ رسولِ اللّه  ؟. فَكلَّمَه أسامةُ، فقال رسولُ اللّه  : "أتَشْفَعُ في حَدٍّ من حُدُود اللّه تعالى؟ ". ثم قام، فاخْتَطَبَ، ثم قال : "إِنَّما أَهْلَكَ الذين مِنْ قَبْلِكم أَنَّهم كانوا إِذا سَرَقَ فيهم الشَّرِيفُ تَرَكُوه، وإِذا سَرَقَ فيهم الضَّعِيفُ أقاموا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فاطمةَ بِنْتَ محمدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها". (متفق عليه) . أما إذا اختلطت الأمور ، وقام السفهاء ليتسلموا زمامها ، فقد لا يبقى شيء على ما هو عليه . وعندما يقوم طلاب مدرسة ثانوية أو إعدادية تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان ، بمعاقبة مدير المدرسة أمام طلابه ويمدونه ( فلكة) على قدميه ، هل سيبقى احترام لمدير المدرسة أمام طلابه ، وهل معاقبة مدير المدرسة تكون على يدي طلابه وتلاميذه ؟!! ويعاقب كما يعاقب الطلاب والتلاميذ ؟ هل يحدث هذا في القرن الحادي والعشرين كما كان يحدث في ليبيا قبل الثورة المجيدة ؟!! هذا هو النظام الدكتاتوري الاستبدادي المقيت ، وهو نظام ملكي تحت مسمى رئيس زوراً وبهتاناً ، ويا ليته يصل إلى ما وصلت إليه بعض الأنظمة الملكية المستقرة . وعند حقوق الآخرين ، يقف الخصمان أمام القاضي ولو كان أحدهما أميراً أو رئيساً ، فقد وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  وخصمه يهودي في درع أمام القاضي شريح رحمه الله ، وهكذا يقال ذوو الهيئات عثراتهم إلا من الحدود أو حقوق الآخرين .

موضوع رائع بوركت

موضوع رائع بوركت

موضوع رائع بوركت